سورة يونس - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)}.
التفسير:
قوله تعالى: {قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
المراد بالنّاس هنا هم المشركون، الذين لم يستجيبوا للرسول، وأمسكوا بما هم عليه من شرك وضلال.. وجواب الشرط هنا جاء على غير ما يقتضيه السياق.
فالشرط وهوقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} مطلوبه أن يكون الجواب على هذا النحو.. فلا تدخلوا في هذا الدين.. أو: فأنتم وشأنكم.
ولكن الجواب الذي جاء به القرآن الكريم، هو الجواب الذي لا يجىء إلّا من الحكيم العليم.. رب العالمين.. هكذا: {فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
وفى هذا الجواب تنكشف أمور:
فأولا: أن النبىّ- صلوات اللّه وسلامه عليه- متمسّك بهذا الدين، الذي يشكّ فيه هؤلاء الشاكّون، وأن شكوكهم لا تثير في نفسه أىّ ريب في هذا الحق الذي بين يديه.. وفى هذا ما ينبىء عن ثقة النبىّ، ويقينه، بهذا الدّين الذي يؤمن به، ويدعو إليه.
وثانيا: أن النبىّ- صلوات اللّه وسلامه عليه- لن يتحول عن هذا الدّين، إلى الدّين الذي عليه هؤلاء المشركون، ولن يعبد تلك الآلهة التي يعبدونها من دون اللّه.
وثالثا: أن هذه الآلهة التي يعبدونها هى الضلال.. ولا يعبدها إلّا الضالّون، ولا يمسك بها إلّا المبطلون.. وأن آلهتهم تلك لا تملك لهم ضرّا، وأنهم لو تركوها، ونفضوا أيديهم منها، فلن تضرّهم شيئا.. أما اللّه سبحانه وتعالى، الذي يعبده محمد ويدعو إلى عبادته، فهو الذي يملك الضّرّ لهم.. إنه هو الذي يتوفّاهم، ويتولىّ حسابهم وجزاءهم على ما كان منهم من كفر وضلال.
رابعا: أنه- صلوات اللّه وسلامه عليه- متّبع لما أمر به، وهو أن يكون من المؤمنين.. فهو من المؤمنين، لأنه مؤمن بهذا الدّين الذي أمر أن يدين به، وهم غير مؤمنين، لأنهم لا يدينون بدين اللّه.
قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
الواو هنا في قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ} هى واو العطف، على تقدير أن الخبر قبلها وهوقوله تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} هو في معنى الأمر، أي تلقيت هذا الأمر، بأن قيل لى: كن من المؤمنين، {وأن أقم وجهك للدين حنيفا، ولا تكونن من المشركين} فجعل قول اللّه سبحانه وتعالى له- صلوات اللّه وسلامه عليه- أمرا لازما لا انفكاك له منه، وهذا أبلغ في الدلالة على الامتثال والطاعة والولاء.
وإقامة الوجه على الأمر: في قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} كناية عن الاشتغال به وحده، دون التفات إلى سواه.. ومنه قوله تعالى: {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} [9: يوسف].. وذلك أن الوجه إذ يستقيم على طريق، فإنه لا يلتفت إلى طرق أخرى.. فإقامة الوجه على الدّين: توجيه الوجه إليه كله، دون أن يخطف خطفة بصر إلى غيره.
والحنيف: هو المائل عن طريق إلى طريق.. والمستقيم على دين اللّه، قد مال باستقامته تلك عن كل طريق، وأخذ طريق اللّه طريقا.
وفى التعبير بلفظ الحنيف بمعنى المائل عن الضلال إلى الحق، إشارة إلى أن أكثر الطرق هى طرق الضلال، وأكثر الناس هم الضالون، القائمون على هذه الطرق.. وخروج إنسان من الناس عن هذه الطرق، وميله عن الجماعات التي تسلكها، هو أمر يحتاج إلى مكابدة وعناء، كما أنه أمر ملفت للنظر، جدير بالتنويه.. فهو أشبه بالخروج على الإجماع!- وفى قوله تعالى: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} تعريض بالمشركين، وتهديد لهم، إذ كانوا على أمر محظور منهىّ عنه، يتعرض مقترفه للنقمة والبلاء.
قوله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} هو تعريض أيضا بالمشركين، وتهديد لهم، وأنهم يعبدون من دون اللّه مالا ينفعهم ولا يضرّهم، وأنهم بهذا قد ظلموا أنفسهم، وباعوها في سوق الضلال، بهذا النّقد الزائف، الذي لا قيمة له إذا عرض في سوق الحق! وفى خطاب النبىّ صلوات اللّه وسلامه عليه بهذا النهى، تغليظ لشناعة المنهىّ عنه، وتهويل للخطر الذي يتهدد الناس منه، وأن على كل إنسان أن يوقظ وجوده كله، حتى لا يقع في هذا المحذور أو يدنو منه.. وكفى أن يكون المنهي عنه هو الشرك باللّه، وكفى أن ينبّه النبىّ الكريم إلى هذا الخطر، وهو أعلم الناس به، وأبعدهم عنه.
قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
إن الذي يعبده المشركون من آلهة، هو سراب خادع، ووهم باطل.. إنها لا تملك ضرّا ولا نفعا.. وإن الذي يملك الضّرّ والنفع هو اللّه سبحانه وتعالى وحده، لا شريك له في هذا الوجود، ولا فيما يجرى على هذا الوجود من أمور فإذا مسّ الإنسان ضرّ- أىّ ضر- فلا يكشف هذا الضرّ عنه إلا اللّه.
وإن أصاب الإنسان خير- أي خير- فهو مما أراده اللّه، وقدّره، وأجراه له.
لا يستطيع أحد في هذا الوجود أن يردّه، أو ينقص منه، أو يؤخر وقته المقدور في علم اللّه.
وفى توجيه الخطاب إلى النبىّ بهذا الحكم الذي قضى اللّه به في عباده، ما يشعر بأن النبىّ- وهو من هو عند اللّه، قربا وحبّا- خاضع لهذا القضاء.
فما يصيبه من خير هو من عند اللّه.. إنه لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا.. فكيف بمن هم ليسوا على هذه المنزلة عند اللّه، من قرب وحب؟
وفى قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} إشارة إلى أن المغفرة والرحمة من اللّه لعباده، هى شأنه في خلقه.. حتى ما يقع بهم من مكروه وضرّ، هو محفوف بالمغفرة، محمول بيد الرحمة.. وحتى ما يلقى المشركون والضّالون من نقمة اللّه وعذابه، هو واقع تحت رحمة اللّه بهم ومغفرته لهم، ولولا ذلك لما تنفّسوا نفسا واحدا في هذه الدنيا..! كما يقول سبحانه: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ} [61: النحل].


{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)}.
التفسير:
بهاتين الآيتين تختّم السورة الكريمة، فيجىء ختامها متلاقيا مع بدئها، ويكون ما بين البدء والختام، عرضا شارحا لمضمون البدء والختام! فقد بدأت السورة هكذا: {الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ}.
وفى هذا البدء إعلان عن هذا الكتاب الحكيم الذي بعث به النبىّ الكريم إلى الناس، يدعوهم إلى الإيمان باللّه، وينذرهم بعقابه، ويبشرهم برحمته ورضوانه، فعجبوا أن يكون ذلك الكتاب السماوىّ في يد رجل منهم، وقال الكافرون تلك القولة المنكرة: {إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ}.
ثم تأخذ السورة بعد ذلك في عرض قدرة اللّه، وما أبدع وصوّر في هذا الوجود، وفيما يقع لنظر الناظرين فيه من دلائل وجود اللّه، وعلمه، وحكمته.
فأخذ بعض الناس بحظهم من النظر السّليم فآمنوا، وزاغت أبصار كثير منهم، فكفروا.. ثم تعرض السورة بعضا من مشاهد القيامة، وما يلقى الكافرون المكذّبون من بلاء وعذاب، وما ينال المؤمنون من نعيم ورضوان.. ثم تعود فتنقل النّاس من مشاهد القيامة إلى هذه الدنيا التي هم فيها، وتعرض لأبصارهم ما أخذ اللّه به الظالمين، من القرون الماضية، من بأسه ونقمته، على حين عافى المؤمنين من هذا البأس وتلك النقمة، وأولاهم عزّا ونصرا.
ثم تختتم السورة بهاتين الآيتين، بهذا الإعلان العامّ، الذي بدأت به، فتصل منه ما انقطع: {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم} وهو هذا الكتاب الحكيم، الذي جاءكم من ربكم: {فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه} إذ ارتاد الخير لها، وغرس في مغارس الخير، وهو الذي يجنى ثمر هذا الخير، ويضمه إلى يده، لا يناله غيره.. {ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها}، إذ عمى عن طريق الحق، وركب مركب الضلال، فإذا ورد موارد الهلاك، فلا يلومنّ إلا نفسه.. {وما أنا عليكم بوكيل}.
إذ ليس الرسول وكيلا عنهم، يعمل لهم، كما يعمل الوكيل لمن وكله عنه.. فليس أحد مغنيا عن أحد، ولا أحد موكّلا عن أحد، بل هى المسئولية الذاتية، يحملها كل إنسان عن نفسه.
إذ كان للإنسان وجوده، وكانت له ذاتيته وشخصيته، وبهذا فلا يصح أن يضع إنسان نفسه تحت وصاية أحد، أو يعفى نفسه من العمل، بإقامة وكيل عنه، لأن هذا الوكيل الذي يريد أن يقيمه، هو نفسه مطالب بالعمل لنفسه، وبتحصيل الخير لها.. حتى ولو كان رسول اللّه نفسه.
وفى هذا تكريم للإنسان، وتصحيح لوجوده، وتسليم بحقه الكامل في هذا الوجود، وأن عليه أن ينظر إلى نفسه وحده، وأن يأخذ لها بحظها من سعيه وعمله.. إنه إنسان رشيد عاقل، فكيف يقبل هو، أو يقبل منه أن يحلّ نفسه من إنسانيته، وعقله، ورشده، ليكون طفلا قاصرا، يفكّر له غيره، ويعمل له سواه؟ ذلك حساب مغلوط لا يقبل منه أبدا، ولو قبله هو على نفسه..!
وفى قوله تعالى: {وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}، وفى تعدية اسم المفعول:
{وكيل} الذي هو بمعنى موكّل بحرف الاستعلاء {على} بدلا من حرف المجاوزة {عن} في هذا ما يشعر بأن النبي الكريم- وهو من هوّ في مقامه الرفيع فوق الناس جميعا- ليس له أن يكون وكيلا عن أحد من الناس، وإنما كل إنسان له وعليه مسؤليته الكاملة، يحملها وحده.
وهذا- كما قلنا- تشريف للإنسان، وتكريم له.. وأن كل إنسان جدير به أن يأخذ مكانه في الناس، وأن يعمل ما وسعه العمل، ليبلغ المكان الذي يستطيعه بعمله واجتهاده.. فالطريق أمامه مفتوح، لا يقف في سبيله أحد!.
قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ}.
فذلك هو الرسول الإنسان.. إنه يحمل مسئوليته كاملة.
فيتّبع ما يوحى إليه من ربه، ويستقيم عليه.. إن ذلك هو ميدانه الذي يعمل فيه، ويدعو الناس إلى العمل فيه معه.. فمن استجاب له، قبله، وضمّه إليه، ومن أبى فما على الرسول إلا البلاغ، وليصبر الرسول حتى يحكم اللّه بما قضى به في عباده، وهو خير الحاكمين.. لا يحكم إلا بالعدل، ولا يقضى إلا بالحقّ، فيجزى المحسنين بإحسانهم، ويأخذ المذنبين بذنوبهم، إن شاء، أو يعفو عنهم..!

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8